منتدى بنات بنوتات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    خلفاء الدولة العباسية [ 4 ]

    avatar
    بنوتات
    Admin


    عدد المساهمات : 2577
    تاريخ التسجيل : 03/11/2013
    الموقع : alktaket2@gmail.com

    خلفاء الدولة العباسية [ 4 ] Empty خلفاء الدولة العباسية [ 4 ]

    مُساهمة من طرف بنوتات الثلاثاء 23 نوفمبر 2021, 6:14 am

    خلفاء الدولة العباسية [ 4 ] Taregh10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة السيرة والتاريخ
    تاريخ الخلفاء للسيوطيي
    خلفاء الدولة العباسية [ 4 ]
    خلفاء الدولة العباسية [ 4 ] 1410
    ● [ المعتصم بالله ] ●
    218هـ ـ 227هـ

    المعتصم بالله : أبو إسحاق محمد بن الرشيد ولد سنة ثمانين و مائة كذا قال الذهبي و قال الصولي : في شعبان سنة ثمان و سبعين و أمة أم ولد من مولدات الكوفة اسمها ماردة و كانت أحظى الناس عند الرشيد
    روى عن أبيه و أخيه المأمون و روى عنه : إسحاق الموصلي و حمدون بن إسماعيل و آخرون
    و كان ذا شجاعة وقوة وهمة و كان عريا من العلم
    فروى الصولي عن محمد بن سعيد عن إبراهيم بن محمد الهاشمي قال : كان مع المعتصم غلام في الكتاب يتعلم معه فمات الغلام فقال له الرشيد أبوه : يا محمد مات غلامك قال : نعم يا سيدي و استرح من الكتاب فقال : و إن الكتاب ليبلغ منك هذا دعوه لا تعلموه قال : فكان يكتب و يقرأ قراءة ضعيفة
    و قال الذهبي : كان المعتصم من أعظم الخلفاء و أهيبهم لولا ما شان سؤدده بامتحان العلماء بخلق القرآن
    و قال نفطوية و الصولي : للمعتصم مناقب و كان يقال له : المثمن لأنه ثامن الخلفاء من بني العباس و الثامن من ولد العباس و ثامن أولاد الرشيد و ملك سنة ثمان عشرة و ملك ثمان سنين و ثمانية أشهر و ثمانية أيام و مولده سنة ثمان و سبعين و عاش ثمانيا و أربعين سنة و طالعه العقرب و هو ثامن برج و فتح ثمانية فتوح و قتل ثمانية أعداء و خلف ثمانية أولاد و من الإناث كذلك و مات لثمان بقين من ربيع الأول
    و له محاسن و كلمات فصيحة و شعر لا بأس به غير أنه إذا غضب لا يبالي من قتل
    و قال ابن أبي دؤاد : كان المعتصم يخرج ساعده إلي و يقول : يا أبا عبد الله عض ساعدي بأكثر قوتك فأمتنع فيقول : إنه لا يضرني فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلا عن الأسنان
    و قال نفطويه : و كان من أشد الناس بطشا كان يجعل زند الرجل بين أصبعيه فيكسره
    و قال غيره : هو أول خليفة أدخل الأتراك الديوان
    و كان يتشبه بملوك الأعاجم و يمشي مشيهم و بلغت غلمانه الأتراك بضعة عشر ألفا
    و قال ابن يونس هجا دعبل المعتصم ثم نذر به فخاف و هرب حتى قدم مصر ثم خرج إلى المغرب و الأبيات التي هجاه بها هذه :
    ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... و لم يأتينا في ثامن منهم الكتب
    كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... غداة ثووا فيها و ثامنهم كلب
    وإني لأزهى كلبهم عنك رغبة ... لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
    لقد ضاع أمر الناس حيث يسوسهم ... و صيف و أشناس و قد عظم الخطب
    وإني لأرجو أن ترى من مغيبها ... مطالع شمس قد يغص الشرب
    وهمك تركي عليه مهانة ... فأنت له أم و أنت له أب
    بويع له بالخلافة بعد المأمون وفي شهر رجب سنة ثمان عشرة و مائتين فسلك ما كان المأمون عليه و ختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن فكتب إلى البلاد بذلك و أمر المعلمين أن يعلموا الصبيان ذلك و قاسى الناس منه مشقة في ذلك و قتل عليه خلقا من العلماء و ضرب الإمام أحمد بن حنبل و كان ضربه في سنة عشرين
    و فيها تحول المعتصم من بغداد و بنى [ سر من رأى ] و ذلك أنه اعتنى باقتناء الترك فبعث إلى سمرقند و فرغانة و النواحي في شرائهم و بذل فيهم الأموال و ألبسهم أنواع الديباج و مناطق الذهب فكانوا يطردون خيلهم في بغداد و يؤذون الناس و ضاقت بهم البلد فاجتمع إليه أهل بغداد و قالوا : إن لم تخرج عنا بجندك حاربناك قال : و كيف تحاربونني ؟ قالوا : بسهام الأسهار قال : لا طاقة لي بذلك فكان ذلك سبب بنائه [ سر من رأى ] و تحوله إليها
    و في سنة ثلاث و عشرين غزا المعتصم الروم فكأنهم نكاية عظيمة لم يسمع بمثلها لخليفة و شتت جموعهم و خرب ديارهم و فتح عمورية بالسيف و قتل منها ثلاثين ألفا و سبى مثلهم و كان لما تجهز لغزوها حكم المنجون أن ذلك طالع نحس و أنه يكسر فكان من نصره و ظفره ما لم يخف فقال في ذلك أبو تمام قصيدته المشهورة و هي هذه :
    ( السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد و اللعب )
    ( و العلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب )
    ( أين الرواية ؟ أم أين النحوم ؟ و ما ... صاغوه من زخرف فيها و من كذب )
    ( تخرصا و أحاديثا ملفقة ... ليست بعجم إذا عدت و لا عرب )
    مات المعتصم يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع و عشرين و كان قد ذلل العدو بالنواحي و يقال : إنه قال في مرض موته : [ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ] و لما احتضر جعل يقول : ذهبت الحيلة فليس حيلة و قيل : جعل يقول : أوخذ من بين هذا الخلق و قيل : إنه قال : اللهم إنك تعلم أني أخافك من قبلي و لا أخافك من قبلك و أرجوك من قبلك و لا أرجوك من قبلي و من شعره :
    قرب النحام و اعجل يا غلام ... و اطرح السرج عليه و اللجام
    أعلم الأتراك أني خائض ... لجة الموت فمن شاء أقام
    و كان قد عزم على المسير إلى أقصى الغرب ليملك البلاد التي لم تدخل في ملك بني العباس لاستيلاء الأموي عليها فروى الصولي عن أحمد بن الخصيب قال : قال لي المعتصم : إن بني أمية ملكوا و ما لأحد منا ملك و ملكنا نحن و لهم بالأندلس هذا الأموي فقدر ما يحتاج إليه لمحاربته و شرع في ذلك فاشتدت علته و مات
    و قال الصولي : سمعت المغيرة بن محمد يقول : يقال : إنه لم يجتمع الملوك بباب أحد قط اجتماعها بباب المعتصم و لا ظفر ملك قط كظفره أسر ملك أذربيجان و ملك طبرستان وملك استيسان و ملك الشياصح و ملك فرغانة و ملك طخارستان و ملك الصفة و ملك كابل
    و قال الصولي : و كان نقش خاتمه [ الحمد لله الذي ليس كمثله شيء ]
    و من أخبار المعتصم : أخرج الصولي عن أحمد اليزيدي قال : لما فرغ المعتصم من بناء قصره بالميدان و جلس فيه دخل عليه الناس فعمل إسحاق الموصلي قصيدة فيه ما سمع أحد بمثلها في حسنها إلا أنه افتتحها بقوله :
    يا دار غيرك البلى و محاك ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك
    فتطير المعتصم و تطير الناس و تغامزوا و يعجبوا كيف ذهب هذا على إسحاق مع فهمه و علمه و طول خدمته للملوك ؟ و خرب المعتصم القصر بعد ذلك
    و أخرج عن إبراهيم بن العباس قال : كان المعتصم إذا تكلم بلغ ما أراد و زاد عليه
    و كان أول من ثرد الطعام و كثره حتى بلغ ألف دينار إلى اليوم
    و أخرج عن أبي العيناء قال : سمعت المعتصم يقول : إذا نصر الهوى بطل الرأي
    و أخرج عن إسحاق قال : كان المعتصم يقول : من طلب الحق بما له و عليه أدركه
    و أخرج عن محمد بن عمر الرومي قال : كان المعتصم غلام يقال له عجيب لم يرى الناس مثله قط و كان مشغوفا به فعمل فيه أبيات ثم دعاني و قال : قد علمت أني دون أخوتي في الأدب لحب أمير المؤمنين لي و ميلي إلى اللعب و أنا حدث فلم أنل ما نالوا و قد عملت في عجيب أبياتا فإن كانت حسنة و إلا فاصدقني حتى أكتمها ثم أنشد شعرا :
    ( لقد رأيت عجيبا ... يحكي الغزال الربيبا )
    ( الوجه منه كبدر ... و القد يحكي القضيبا )
    ( و إن تناول سيفا ... رأيت ليثا حريبا )
    ( و إن رمى بسهام ... كان المجيد المصيبا )
    ( طبيب ما بي من الحب ... فلا عدمت الطبيبا )
    ( إني هويت عجيبا ... هوى أراه عجيبا )
    فحلفت له بأيمان البيعة أنه شعر مليح من أشعار الخلفاء الذين ليسوا بشعراء فطابت نفسه و أمر لي بخمسين ألف درهم
    و قال الصولي : حدثنا عبد الواحد بن العباس الرياشي قال : كتب ملك الروم إلى المعتصم كتابا يهدده فيه فلما قرئ عليه قال للكاتب : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد قرأت كتابك و سمعت خطابك و الجواب ما ترى لا ما تسمع و سيعلم الكفار لمن عقبى الدار
    و أخرج الصولي عن الفضل اليزيدي قال : وجه المعتصم إلى الشعراء ببابه : من منكم يحسن أن يقول فينا كما قال منصور النمري في الرشيد ؟ :
    إن المكارم و المعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع
    من لم يكن بأمين الله معتصما ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
    إن أخلف القطر لم تخلف فواضله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع
    فقال أبو وهيب : فينا من يقول خيرا منه فيك و قال :
    ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها : ... شمس الضحى و أبو إسحاق و القمر
    تحكي أفاعيله في كل نائبة ... الليث و الغيث و الصمصامة الذكر
    و لما مات رثاه وزيره محمد بن عبد الملك جامعا بين العزاء و الهناء فقال :
    قد قلت إذ غيبوك و اصطفت ... عليك أيد بالترب و الطين
    اذهب فنعم الحفيظ كنت على ال ... دنيا و نعم الظهير للدين
    ما يجبر الله أمة فقدت ... مثلك إلا بمثل هارون
    حديث رواه المعتصم
    قال الصولي : [ حدثنا العلائي حدثنا عبد الملك بن الضحاك حدثني هشام بن محمد حدثني المعتصم قال : حدثني أبي الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما [ عن أبيه ] : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نظر إلى القوم من بني فلان يتبخترون في مشيهم فعرف الغضب في وجهه ثم قرأ : { والشجرة الملعونة في القرآن } فقيل له : أي شجرة هي يا رسول الله حتى نجتثها ؟ فقال : ليست بشجرة نبات إنما هم بنو أمية إذا ملكوا جاروا وإذا اؤتمنوا خانوا و ضرب بيده على ظهر عمه العباس فقال : يخرج الله من ظهرك يا عم رجلا يكون هلاكهم على يده ]
    قلت : الحديث موضوع وآفته العلائي
    و قال ابن عساكر : أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن أحمد حدثني علي بن الحسين الحافظ حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن طالب البغدادي حدثنا ابن خلاد حدثنا أحمد بن محمد بن نصر الضبيعي حدثنا إسحاق بن يحيى بن معاذ قال : كنت عند المعتصم أعوده فقلت : أنت في عافية فقال : كيف و قد سمعت الرشيد يحدث عن أبيه المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس مرفوعا : [ من احتجم في يوم الخميس فمرض فيه مات فيه ]
    قال ابن عساكر : سقط منه رجلان بين ابن الضبيعي و إسحاق ثم أخرجه من طريق أخرى عن الضبيعي عن أحمد بن محمد بن الليث عن منصور بن النضر عن إسحاق
    و ممن مات في أيام المعتصم من الأعلام : الحميدي شيخ البخاري و أبو نعيم الفضل بن دكين و أبو غسان المهدي و قالون المقرئ و خلاد المقرئ و آدم بن أبي إياس و عفان و القعنبي و عبدان المروزي و عبد الله بن صالح كاتب الليث و إبراهيم بن المهدي و سليمان بن حرب و علي بن محمد المدائني و أبو عبيد القاسم بن سلام و قرة بن حبيب و عارم و محمد بن عيسى الطباع الحافظ و أصبغ بن الفرج الفقيه المالكي و سعدويه الواسطي و أبو عمر الجرمي النحوي و محمد بن سلام البيكندي و سنيد و سعيد بن كثير بن عفير و يحيى بن يحيى التميمي و آخرون
    ● [ الواثق بالله ] ●
    227 هـ ـ 232 هـ
    الواثق بالله : هارون أبو جعفر و قيل : أبو القاسم بن المعتصم بن الرشيد
    أمه أم ولد رومية اسمها قراطيس ولد لعشر بقين من شعبان سنة ست و تسعين و مائة و ولي الخلافة بعهد من أبيه بويع له في تاسع عشر ربيع الأول سنة سبع و عشرين
    و في سنة ثمان و عشرين استخلف على السلطنة أشناس التركي و ألبسه وشاحين مجوهرين و تاجا مجوهرا و أظن أنه أول خليفة استخلف سلطانا فإن الترك إنما كثروا في أيام أبيه
    و في سنة إحدى و ثلاثين ورد كتابه إلى أمير البصرة يأمره أن يمتحن الأئمة و المؤذنين بخلق القرآن و كان قد تبع أباه في ذلك ثم رجع في آخره أمره
    و في هذه السنة قتل أحمد بن نصر الخزاعي و كان من أهل الحديث قائما بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أحضره من بغداد إلى سامرا مقيدا و سأله عن القرآن فقال : ليس بمخلوق و عن الرؤية في القيامة فقال : كذا جاءت الرواية و روى له الحديث فقال الواثق له : تكذب فقال للواثق : بل تكذب أنت فقال : ويحك ! يرى كما يرى المحدود المتجسم و يحويه مكان و يحصره الناظر ؟ إنما كفرت برب صفته ما تقولون فيه ؟ فقال جماعة من فقهاء المعتزلة الذين حوله : هو حلال الضرب فدعا بالسيف و قال : إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا لا نعبده و لا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ثم أمر بالنطع فأجلس عليه و هو مقيد فمشى إليه فضرب عنقه و أمر بحمل رأسه إلى بغداد فصلب بها و صلبت جثته في سر من رأى و استمر ذلك ست سنين إلى أن ولي المتوكل فأنزله و دفنه و لما صلب كتب ورقة و علقت في أذنه فيها : هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن و نفي التشبيه فأبى إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره و وكل بالرأس من يحفظه و يصرفه عن القبلة برمح فذكر الموكل به أنه رآه بالليل يستدبر إلى القبلة بوجهه فيقرأ سورة يس بلسان طلق رويت هذه الحكاية من غير وجه
    و في هذه السنة استفك من الروم ألفا و ستمائة أسير مسلم فقال ابن أبي دؤاد قبحه الله : من قال من الأسارى : [ القرآن مخلوق ] خلصوه و أعطوه دينارين و من امتنع دعوه في الأسر
    قال الخطيب : كان أحمد بن أبي دؤاد قد استولى على الواثق و حمله على التشدد في المنحة و دعا الناس إلى القول بخلق القرآن و يقال : إنه رجع عنه قبل موته
    و قال غيره : حمل إليه رجل فيمن حمل مكبل بالحديد من بلاده فلما دخل ـ و ابن أبي دؤاد حاضر ـ قال المقيد : أخبرني عن هذا الرأي الذي دعوتم الناس إليه أعلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يدع الناس إليه أم شيء لم يعلمه ؟ قال ابن أبي دؤاد : بل علمه قال : فكان يسعه أن لا يدعو الناس إليه و أنتم لا يسعكم ؟ قال : فبهتوا و ضحك الواثق و قام قابضا على فمه و دخل بيتا و مد رجليه و هو يقول : وسع النبي صلى الله عليه و سلم أن يسكت عنه و لا يسعنا فأمر له أن يعطى ثلاثمائة دينار و أن يرد إلى بلده و لم يمتحن أحدا بعدها و مقت ابن أبي دؤاد من يومئذ
    و الرجل المذكور هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأذرمي شيخ أبي داود و النسائي
    قال ابن أبي الدنيا : كان الواثق أبيض تعلوه صفرة حسن اللحية في عينه نكتة
    قال يحيى بن أكثم : ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب ما أحسن إليهم الواثق ما مات و فيهم فقير
    و قال غيره : كان الواثق وافر الأدب مليح الشعر و كان يحب خادما أهدي له من مصر فأغضبه الواثق يوما ثم إنه سمعه يقول لبعض الخدم و الله إنه ليروم أن أكلمه من أمس فما أفعل فقال الواثق :
    يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا ... ما أنت إلا مليك جار إذ قدرا
    لولا الهوى لتجارينا على قدر ... و إن أفق منه يوما ما فسوف ترى
    و من شعر الواثق في خادمه :
    ( مهج يملك المهج ... بسجي اللحظ و الدعج )
    ( حسن القد مخطف ... ذو دلال و ذو غنج )
    ( ليس للعين إن بدا ... عنه باللحظ منعرج )
    و قال الصولي : كان الواثق يسمى المأمون الأصغر لأدبه و فضله و كان المأمون يعظمه و يقدمه على ولده و كان الواثق أعلم الناس بكل شيء و كان شاعرا و كان أعلم الخلفاء بالغناء
    و له أصوات و ألحان عملها نحو مائة صوت و كان حاذقا بضرب العود راوية للأشعار و الأخبار
    و قال الفضل اليزيدي : لم يكن في خلفاء بني العباس أكثر رواية للشعر من الواثق فقيل له : كان أروى من المأمون ؟ فقال : نعم كان المأمون قد مزج بعلم العرب علم الأوائل من النجوم و الطب و المنطق و كان الواثق لا يخلط بعلم العرب شيئا
    و قال يزيد المهلبي : كان الواثق كثير الأكل جدا
    و قال ابن فهم : كان للواثق خوان من ذهب مؤلف من أربع قطع يحمل كل قطعة عشرون رجلا و كل ما على الخوان من غضارة و صفحة و سكرجة من ذهب فسأله ابن أبي دؤاد أن لا يأكل عليه للنهي عنه فأمر أن يكسر ذلك و يضرب و يحمل إلى بيت المال
    و قال الحسين بن يحيى : رأى الواثق في النوم كأنه يسأل الله الجنة و أن قائلا يقول له : لا يهلك على الله إلا من قبله مرت فأصبح فسأل الجلساء عن ذلك فلم عرفوا معناه فوجه إلى أبي محلم و أحضره فسأله عن الرؤيا و المرت فقال أبو المحلم : المرت القفر الذي لا ينبت شيئا فالمعنى على هذا لا يهلك على الله إلا من قبله خال من الإيمان خلو المرت من النبات فقال له الواثق : أريد شاهدا من الشعر في المرت فبادر بعض من حضر فأنشد بيتا لبني أسد :
    ومرت مروتاة يحار بها القطا ... و يصبح ذو علم بها و هو جاهل
    فضحك أبو محمل و قال : و الله لا أبرح حتى أنشدك فأنشده للعرب مائة قافية معروفة لمائة شاعر معروف في كل بيت ذكر المرت فأمر له الواثق بمائة ألف دينار
    و قال حمدون بن إسماعيل : ما كان في الخلفاء أحد أحلم من الواثق و لا أصبر على أذى و لا خلاف منه
    و قال أحمد بن حمدون : دخل هارون بن زياد مؤدب الواثق إليه فأكرمه إلى الغاية فقيل له : من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به هذا الفعل ؟ فقال : هذا أول من فتق لساني بذكر الله و أدناني من رحمة الله
    و من مديح علي بن الجهم فيه :
    ( و ثقت بالملك ال ... واثق بالله النفوس )
    ( و ملك يشقى به الما ... ل و لا يشقى الجليس )
    ( أسد يضحك عن شد ... اته الحرب العبوس )
    ( أنس السيف به واس ... توحش الطلق النفيس )
    ( يا بني العباس يأبى الل ... ه إلا أن تروسوا )
    مات الواثق بسر من رأى يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة مائتين و اثنتين و ثلاثين و لما احتضر جعل يردد هذين البيتين :
    الموت فيه جميع الخلق مشترك ... لا سوقة منهم يبقى و لا ملك
    ما ضر أهل قليل في تفارقهم ... و ليس يغني عن الأملاك ما ملكوا
    و حكي أنه لما مات ترك وحده و اشتغل الناس بالبيعة للمتوكل فجاء جرذون فاستل عينه فأكلها
    مات في أيامه من الأعلام : مسدد و خلف بن هشام البزار المقرئ و إسماعيل بن سعيد الشالخي شيخ أهل طبرستان و محمد بن سعد كاتب الواقدي و أبو تمام الطائي الشاعر و محمد بن زياد ابن الأعرابي اللغوي و البوطي صاحب الشافغي مسجونا مقيدا في المحنة و علي بن المغيرة الأثرم اللغوي و آخرون
    و من أخبار الواثق : أسند الصولي عن جعفر بن الرشيد قال : كنا بين يدي الواثق و قد اصطبح فناوله خادمه مهج وردا و نرجسا فأنشد ذلك بعد يوم لنفسه :
    ( حياك بالنرجس و الورد ... معتدل القامة و القد )
    ( فألهبت عيناه نار الهوى ... و زاد في اللوعة و الوجد )
    ( أملت بالملك له قربه ... فصال ملكي سبب البعد )
    ( و رئحته سكرات الهوى ... فمال بالوصل إلى الصد )
    ( إن سئل البذل ثنى عطفه ... و أسبل الدمع على الخد )
    ( غر بما تجنيه ألحاظه ... لا يعرف الإنجاز للوعد )
    ( مولى تشكى الظلم من عبده ... فأنصفوا المولى من العبد )
    قال : فأجمعوا أنه ليس لأحد من الخلفاء مثل هذه الأبيات
    و قال الصولي : حدثني عبد الله بن العتز قال : أنشدني بعض أهلنا للواثق و كان يهوى خادمين لهذا يوم يخدمه فيه و لهذا يوم يخدمه فيه :
    ( قلبي قسيم بين نفسين ... فمن رأى روحا بجسمين )
    ( يغضب ذا غن جاد ذا بالرضا ... فالقلب مشغول بشجوين )
    و أخرج عن الحزنبل قال : غني في مجلس الواثق بشعر الأخطل :
    وشادن مربح بالكاس نادمني ... لا بالحصور و لا فيها بسوار
    فقال : أسوار أو سار ؟ فوجه إلى ابن الأعرابي يسأل عن ذلك ؟ فقال : سوار وثاب يقول : لا يثب على ندمائه و سآر مفصل في اكأس سؤرا و قد رويا جميعا فأمر الواثق لابن الأعرابي بعشرين ألف درهم
    و قال : حدثني ميمون بن إبراهيم حدثني أحمد بن الحسين بن هشام قال : تلاحى الحسين بن الضحاك و مخارق يوما في مجلس الواثق في أبي نواس و أبي العتاهية أيهما أشعر ؟ فقال الواثق : اجعلا بينكما خطرا فجعلا بينهما مائتي دينار فقال الواثق : من ههنا من العلماء ؟ فقيل : أبو محلم فأحضره فسئل عن ذلك ؟ فقال : أبو النواس أشعر و أذهب في فنون العرب و أكثر افتنانا من أفانين الشعر فأمر الواثق بدفع الخطر إلى الحسين
    ● [ المتوكل على الله ] ●
    232 هـ ـ 247 هـ
    المتوكل على الله : جعفر أبو الفضل بن المعتصم بن الرشيد أمه أم ولد اسمها شجاع ولد سنة خمس ـ و قيل : سبع ـ و مائتين و بويع له في ذي الحجة سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين بعد الواثق فأظهر الميل إلى السنة و نصر أهلها و رفع المحنة و كتب بذلك إلى الآفاق و ذلك في سنة أربع و ثلاثين و استقدم المحدثين إلى سامرا و أجزل عطاياهم و أكرمهم و أمرهم بأن يحدثوا بأحاديث الصفات و الرؤية و جلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس و جلس أخوه عثمان في جامع المنصور فاجتمع إليه أيضا نحو من ثلاثين ألف نفس و توفر دعاء الخلق للمتوكل و بالغوا في الثناء عليه و التعظيم له حتى قال قائلهم : الخلفاء ثلاثة : أبو بكر الصديق رضي الله عنه في قتل أهل الردة و عمر بن عبد العزيز في رد المظالم و المتوكل في إحياء السنة و إماتة التجهم و قال أبو بكر بن الخبازة في ذلك :
    وبعد فإن السنة اليوم أصبحت ... معززة حتى كأن لم تذلل
    تصول و تسطو إذ أقيم منارها ... وحط منار الإفك و الزور من عل
    وولى أخو الإبداع في الدين هاربا ... إلى النار يهوي مدبرا غير مقبل
    شفى الله منهم بالخليفة جعفر ... خليفته ذي السنة المتوكل
    خليفة ربي و ابن عم نبيه ... و خير بني العباس من منهم ولي
    وجامع شمل الدين بعد تشتت ... و فاري رؤوس المارقين بمنصل
    أطال لنا رب العباد بقاءه ... سليما من الأهوال غير مبدل
    وبوأه بالنصر للدين جنة ... يجاور في روضاتها خير مرسل
    و في هذه السنة أصاب ابن أبي دؤاد فالج صيره حجرا ملقى فلا آجره الله
    و من عجائب هذه السنة أنه هبت ريح بالعراق شديدة السموم و لم يعهد مثلها أحرقت زرع الكوفة و البصرة و بغداد و قتلت المسافرين و دامت خمسين يوما و اتصلت بهمذان و أحرقت الزرع و المواشي و اتصلت بالموصل و سنجار و منعت الناس من المعاش في الأسواق و من المشي في الطرقات و أهلكت خلقا عظيما
    و في السنة التي قبلها جاءت زلزلة مهولة بدمشق سقطت منها دور و هلك تحتها خلق وامتدت إلى أنطاكية فهدمتها و إلى الجزيرة فأحرقتها و إلى الموصل فيقال : هلك من أهلها خمسون ألفا
    و في سنة خمس و ثلاثين ألزم المتوكل كل النصارى بلبس الغل
    و في سنة ست و ثلاثين أمرهم بهدم قبر الحسين و هدم ما حوله من الدور و أن يعمل مزارع و منع الناس من زيارته و خرب و بقي صحراء و كان المتوكل معروفا بالتعصب فتألم المسلمون من ذلك و كتب أهل بغداد شتمه على الحيطان و المساجد و هجاه الشعراء فمما قيل في ذلك :
    ( بالله إن كانت أمية قد أتت ... قتل ابن بنت نبيها مظلوما )
    ( فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ... هذا لعمري قبره مهدوما )
    ( أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا ... في قتله فتتبعوه رميما )
    و في سنة سبع و ثلاثين بعث إلى نائب مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة بمصر : أبي بكر محمد بن أبي الليث و أن يضربه و يطوف به على حمار ففعل ـ و نعم ما فعل ـ فإنه كان ظالما من رؤوس الجهمية و ولي القضاء بدله الحارث بن سكين من أصحاب مالك بعد تمنع و أهان القاضي المعزول بضربه كل يوم عشرين سوطا ليرد الظلمات إلى أهلها
    و في هذه السنة ظهرت نار بعسقلان أحرقت البيوت و البيادر و لم تزل تحرق إلى ثلث الليل ثم كفت
    و في سنة ثمان و ثلاثين كبست الروم دمياط و نهبوا و أحرقوا و سبوا منها ستمائة امرأة و ولوا مسرعين في البحر
    و في سنة أربعين سمع أهل خلاط صيحة عظيمة من جو السماء فمات منها خلق كثير و وقع برد بالعراق كبيض الدجاج و خسف بثلاث عشر قرية بالمغرب
    و في سنة إحدى و أربعين ماجت النجوم في السماء و تناثرت الكواكب كالجراد أكثر الليل و كان أمرا مزعجا لم يعهد
    و في سنة اثنتين و أربعين زلزلت الأرض زلزلة عظيمة بتونس و أعمالها و الري و خراسان و نيسابور و طبرستان و أصبهان و تقطعت الجبال و تشققت الأرض بقدر ما يدخل الرجل في الشق و رجمت قرية السويداء بناحية مصر من السماء و وزن حجر من الحجارة فكان عشرة أرطال و سار جبل باليمن عليه مزارع لأهله حتى أتى مزارع آخرين و وقع بحلب طائر أبيض دون الرخمة في رمضان فصاح : يا معشر الناس اتقوا الله الله الله و صاح أربعين صوتا ثم طار و جاء من الغد ففعل كذلك و كتب البريد بذلك و أشهد عليه خمسمائة إنسان سمعوه
    و فيها حج من البصرة إبراهيم بن مطهر الكاتب على عجلة تجرها الإبل و تعجب الناس من ذلك
    و في سنة ثلاث و أربعين قدم المتوكل دمشق فأعجبته و بنى له القصر بداريا و عزم على سكناها فقال يزيد بن محمد المهلبي :
    ( أظن الشام تشمت بالعراق ... إذا عزم الإمام على انطلاق )
    ( فإن تدع العراق و ساكنيه ... فقد تبلى المليحة بالطلاق )
    فبدا له و رجع بعد شهرين أو ثلاثة
    و في سنة أربع و أربعين قتل المتوكل يعقوب بن السكيت الإمام في العربية فإنه ندبه إلى تعليم أولاده فنظر المتوكل يوما إلى ولديه المعتز و المؤيد فقال لابن السكيت : من أحب إليك هما أو الحسن و الحسين ؟ فقال : قنبر ـ يعني مولى علي ـ خير منهما فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى مات و قيل : أمر بسل لسانه و أرسل إلى ابنه بديته و كان المتوكل رافضيا
    و في سنة خمس و أربعين عمت الزلازل الدنيا فأخربت المدن و القلاع و القناطر و سقط من أنطاكية جبل في البحر و سمع من السماء أصواتا هائلة و زلزلت مصر و سمع أهل بلبيس من ناحية مصر صيحة هائلة فمات خلق من أهل بلبيس و غارت عيون مكة فأرسل المتوكل مائة ألف دينار لإجراء الماء من عرفات إليها و كان المتوكل جوادا ممدحا يقال : ما أعطى خليفة شاعرا ما أعطى المتوكل و فيه يقول مروان بن أبي الجنوب :
    فأمسك ندى كفيك عني و لا تزد ... فقد خفت أن أطغى و أن أتجبرا
    فقال : لا أمسك حتى يغرقك جودي و كان أجازه على قصيدة بمائة ألف و عشرين ألفا
    و دخل عليه علي بن الجهم يوما و بيديه درتان يقلبهما فأنشده قصيدة له فرمى إليه بدرة فقلبها فقال : تستنقص بها و هي و الله خير من مائة ألف و لكني فكرت في أبيات أعملها آخذ بها الأخرى فقال : قل فقال :
    ( بسر من را إمام عدل ... تغرف من بحره البحار )
    ( الملك فيه و في بنيه ... ما اختلف الليل و النهار )
    ( يرجى و يخشى لكل خطب ... كأنه جنة و نار )
    ( يداه في الجود ضرتان ... عليه كلتاهما تغار )
    ( لم تأت منه اليمين شيئا ... إلا أتت مثلها اليسار )
    فرمى إليه بالدرة الأخرى
    قال بعضهم : سلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كل واحد منهم أبوه خليفة : منصور بن المهدي و العباس بن الهادي و أبو أحمد بن الرشيد و عبد الله بن الأمين و موسى بن المأمون و أحمد بن المعتصم و محمد بن الواثق و ابنه المنتصر
    و قال المسعودي : لا يعلم أحد متقدم في جد و لا هزل إلا و قد حظي في دولته و وصل إليه نصيب وافر من المال و كان منهمكا في اللذات و الشراب و كان له أربعة آلاف سرية و وطئ الجميع
    وقال علي بن الجهم : كان المتوكل مشغوفا بقبيحة أم ولده المعتز لا يصبر عنها فوقفت له يوما ـ و قد كتبت على خديها بالغالية جعفرا ـ فتأملها و أنشأ يقول :
    وكاتبه بالمسك في الخد جعفرا ... بنفسي محط المسك من حيث أثرا
    لئن أودعت سطرا من المسك خدها ... لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا
    و في كتاب المحن للسلمي أن ذا النون أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال و مقامات أهل الولاية فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم ـ و كان رئيس مصر و من جلة أصحاب مالك ـ و أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف و رماه بالزندقة فدعاه أمير مصر و سأله عن اعتقاده فتكلم فرضي أمره و كتب به إلى المتوكل فأمر بإحضاره فحمل على البريد فلما سمع كلامه أولع به و أحبه و أكرمه حتى كان يقول : إذا ذكر الصالحون فحيهلا بذي النون
    كان المتوكل بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد ثم إنه أراد تقديم المعتز لمحبته لأمه فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد فأبى فكان يحضره مجلس العامة و يحط منزلته و يتهدده و يشتمه و يتوعده و اتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لأمور فاتفق الأتراك مع المنتصر على قتل أبيه فدخل عليه خمسة و هو في جوف الليل في مجلس لهوه فقتلوه هو و وزيره الفتح بن خاقان و ذلك في خامس شوال سنة سبع أربعين و مائتين
    و رئي في النوم فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بقليل من السنة أحييتها و لما قتل رئته الشعراء و من ذلك قول يزيد المهلبي :
    جاءت منيته و العين هاجعة ... هلا أتته المنايا و القنا قصد
    خليفة لم ينل ما ناله أحد ... و لم يضع مثله روح و لا جسد
    و كان من حظاياه وصيفة تسمى محبوبة شاعرة عالمة بصنوف العلم عوادة فلما قتل ضمت إلى بغا الكبير فأمر بها يوما للمنادمة فجلست منكسة فقال : غني فاعتلت فأقسم عليها و أمر بالعود فوضع في حجرها فغنت ارتجالا :
    ( أي عيش يلذ لي ... لا أرى فيه جعفرا ؟ )
    ( ملك قد رأيته ... في نجيع معفرا )
    ( كل من كان ذا هيا ... م و سقم فقد برا )
    ( غير محبوبة التي ... لو ترى الموت يشترى )
    ( لاشترته بماحـ ... وته يداها لتقبرا )
    ( إن موت الحزين أط ... يب من أن يعمرا )
    فغضب بغا و أمر بها فسجنت فكان آخر العهد بها
    و من الغرائب أن المتوكل قال للبحتري : قل شعرا و في الفتح بن خاقان فإني أحب أن يحيا معي و لا أفقده فيذهب عيشي و لا يفقدني فقل في هذا المعنى فقال :
    يا سيدي كيف أخلفت وعدي ... و تثاقلت عن وفاء بعهدي
    لا أرتني الأيام فقدك يا فت ... ح و لا عرفتك ما عشت فقدي
    أعظم الرزء أن تقدم قبلي ... و من الرزء أن تؤخر بعدي
    حذرا أن تكون إلفا لغيري ... إذ تفردت بالهوى فيك وحدي
    فقتلا معا كما تقدم
    و من أخبار المتوكل : أخرج ابن عساكر أن المتوكل رأى في النوم كأن سكرا سليما نيئا سقط عليه من السماء مكتوبا عليه جعفر المتوكل على الله فلما بويع خاض الناس في تسميته فقال بعضهم : نسميه المنتصر فحدث المتوكل أحمد بن أبي دؤاد بما رأى في منامه فوجده موافقا فأمضى و كتب به إلى الآفاق
    و أخرج عن هشام بن عمار قال : سمعت المتوكل يقول : واحسرتا على محمد بن إدريس الشافعي كنت أحب أن أكون في أيامه فأراه و أشاهده و أتعلم منه فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام و هو يقول : يا أيها الناس إن محمد بن إدريس المطلبي قد صار إلى رحمة الله و خلف فيكم علما حسنا فاتبعوه تهدوا ثم قال : اللهم ارحم محمد بن إدريس رحمه واسعة و سهل على حفظ مذهبه و انفعني بذلك
    قلت استفدنا من أن المتوكل كان متمذهبا بمذهب الشافعي و هو أول من تمذهب له من الخلفاء
    و أخرج عن أحمد بن علي البصري قال : وجه المتوكل إلى أحمد بن المعدل و غيره من العلماء فجمعهم في داره ثم خرج عليهم فقام الناس كلهم له غير أحمد بن المعدل فقال المتوكل لعبيد الله : إن هذا لا يرى بيعتنا فقال له : بلى يا أمير المؤمنين و لكن في بصره سوءا فقال أحمد بن المعدل : يا أمير المؤمنين ما في بصري سوء و لكن نزهتك من عذاب الله قال النبي صلى الله عليه و سلم [ من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ] فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه
    و أخرج عن يزيد المهلبي قال : قال لي المتوكل : يا مهلبي إن الخلفاء كانت تتصعب على الرعية لتطيعها و أنا ألين لهم ليحبوني و يطيعوني
    و أخرج عن عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : دخلت على المتوكل فقال : يا أبا يحيى ما أبطأك عنا ! منذ ثلاث لم نرك كنا هممنا لك بشيء فصرفناه إلى غيرك فقلت : يا أمير المؤمنين جزاك الله على هذا الهم خيرا ألا أنشدك بهذا المعنى بيتين ؟ قال : بلى فأنشدته :
    لأشكرنك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف
    ولا ألومك إذا لم يمضه قدر ... فالرزق بالقدر المحتوم مصروف
    فأمر لي بألف دينار
    و أخرج عن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال : دخلت على المتوكل لما توفيت أمه فقال : يا جعفر ربما قلت البيت الواحد فإذا جاوزته خلطت و قد قلت :
    تذكرت لما فرق الدهر بيننا ... فندبت نفسي بالنبي محمد
    فأجازه بعض من حضر المجلس بقوله :
    وقلت لها : إن المنايا سبيلنا ... فمن لم تمت في يومه مات في غد
    و أخرج عن الفتح بن خاقان قال : دخلت يوما على المتوكل فرأيته مطرقا متفكرا فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا الفكر ؟ فو الله ما ظهر على الأرض أطيب منك عيشا و لا أنعم منك بالا فقال : يا فتح أطيب عيشا مني رجل له دار واسعة و زوجة صالحة و معيشة حاضرة لا يعرفنا فنؤذيه و لا يحتاج إلينا فنزدريه و أخرج عن أبي العيناء قال : أهديت إلى المتوكل جارية شاعرة اسمها فضل فقال لها : أشاعرة أنت ؟ قالت : هكذا زعم من باعني و اشتراني فقال : أنشدينا شيئا من شعرك فأنشدته :
    ( استقبل الملك إمام الهدى ... عام ثلاث و ثلاثينا )
    ( خلافة أفضت إلى جعفر ... و هو ابن سبع بعد عشرينا )
    ( إنا لنرجو يا إمام الهدى ... أن تملك الملك ثمانينا )
    ( لا قدس الله أمرا لم يقل ... عند دعائي لك : آمينا )
    و أخرج عن علي بن الجهم قال : أهدي إلى المتوكل جارية يقال لها محبوبة قد نشأت بالطائف و تعلمت الأدب و روت الأشعار فأغري المتوكل بها ثم إنه غضب عليها و منع جواري القصر من كلامها فدخلت عليه يوما فقال لي : قد رأيت محبوبة في منامي كأني قد صالحتها فقلت : خيرا يا أمير المؤمنين فقال : قم بنا للنظر ما هي عليه فقمنا حتى أتينا حجرتها فإذا هي تضرب على العود و تقول :
    ( أدور في القصر لا أرى أحدا ... أشكو إليه و لا يكلمني )
    ( حتى كأني أتيت معصية ... ليست لها توبة تخلصني )
    ( فهل شفيع لنا إلى ملك ... قد زارني في الكرى و صالحني )
    ( حتى إذا ما الصباح لاح لنا ... عاد إلى هجرة فصارمني )
    فصاح المتوكل فخرجت فأكبت على رجليه تقبلهما فقالت : يا سيدي رأيتك في ليلتي هذه كأنك قد صالحتني قال : و أنا و الله قد رأيتك فردها إلى مرتبتها فلما قتل المتوكل صارت إلى بغا و ذكر الأبيات السابقة
    و أخرج عن علي أن البحتري قال يمدح المتوكل فيما رفع من المحنة و يهجو ابن أبي دؤاد بقوله :
    ( أمير المؤمنين لقد شكرنا ... إلى آبائك الغر الحسان )
    ( رددت الدين فذا بعد أن قد ... أراه فرقتين تخاصمان )
    ( قصمت الظالمين بكل أرض ... فأضحى الظلم مجهول المكان )
    ( و في سنة رمت متجبريهم ... على قدر بداهية عيان )
    ( فما أبقت من ابن أبي دؤاد ... سوى حسد يخاطب بالمعاني )
    ( تحير فيه سابور بن سهل ... فطاوله و مناه الأماني )
    ( إذا أصحابه اصطحبوا بليل ... أطالوا الخوض في خلق القران )
    و أخرج عن أحمد بن حنبل قال : سهرت ليلة ثم نمت فرأيت في نومي كأن رجلا يعرج بي إلى السماء و قائلا يقول :
    ( ملك يقاد إلى مليك عادل ... متفضل في العفو ليس بجائر )
    ثم أصبحنا فجاء نعي المتوكل من [ سر من رأى ] إلى بغداد
    و أخرج عن عمرو بن شيبان الجهني قال : رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل في المنام قائلا يقول :
    يا نائم العين في أوطار جسمان ... أفض دموعك يا عمرو بن شيبان
    أما ترى الفئة الأرجاس ما فعلوا ... بالهاشمي و بالفتح بن خاقان
    وافى إلى الله مظلوما تضج له ... أهل السموات من مثنى و وحدان
    وسوف يأتيكم أخرى مسومة ... توقعوا لها شأن من الشان
    فابكوا على جعفر و ارثوا خليفتكم ... فقد بكاه جميع الإنس و الجان
    ثم رأيت المتوكل في النوم بعد أشهر فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بقليل من السنة أحييتها قلت : فما تصنع ههنا ؟ قال : أنتظر محمدا ابني أخاصمه إلى الله
    قال الخطيب : أخبرنا أبو الحسين الأهوازي حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم القاضي حدثنا محمد بن هارون الهاشمي حدثنا محمد بن شجاع الأحمر قال : سمعت المتوكل يحدث [ عن يحيى بن أكثم عن محمد بن عبد المطلب عن سفيان عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من حرم الرفق حرم الخير ] أخرجه الطبراني في معجمه الكبير من وجه آخر عن جرير
    و قال ابن عساكر : أخبرنا نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي حدثنا جدي أبو محمد حدثنا أبو علي الحسين بن علي الأهوازي حدثنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الأزدي حدثنا أبو الطيب محمد بن جعفر بن داران غندر حدثنا هارون بن عبد العزيز بن أحمد العباسي حدثنا أحمد بن الحسن المقرىء البزار حدثنا أبو عبد الله محمد بن عيسى الكسائي و أحمد بن زهير و إسحاق بن إبراهيم بن إسحاق فقالوا : حدثنا علي بن الجهم قال : كنت عند المتوكل فتذاكروا عنده الجمال فقال : إن حسن الشعر لمن الجمال ثم قال : حدثني المعتصم حدثني المأمون حدثنا الرشيد حدثنا المهدي حدثنا المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم جمة إلى شحمة أذنيه كأنها نظام اللؤلؤ و كان من أجمل الناس و كان أسمر رقيق اللون لا بالطويل و لا بالقصير و كان لعبد المطلب جمة إلى شحمة أذنيه و كان لهاشم جمة إلى شحمة أذنيه قال علي بن الجهم : و كان للمتوكل جمة إلى شحمة أذنيه و قال لنا المتوكل : كان للمعتصم جمة و كذلك للمأمون و الرشيد و المهدي و المنصور ولأبيه محمد و لجده علي و لأبيه عبد الله بن عباس
    قلت : هذا الحديث مسلسل من ثلاثة أوجه بذكر الجمة و الآباء و بالخلفاء ففي إسناده ست خلفاء
    مات في أيام خلافة المتوكل من الأعلام : أبو ثور و الإمام أحمد بن حنبل و إبراهيم بن المنذر الخزامي و إسحاق بن راهوية النديم و روح المقرىء و زهير بن حرب و سحنون و سليمان الشاذكوني و أبو مسعود العسكري و أبو جعفر النفيلي و أبو بكر بن أبي شيبة و أخوه وديك الجن الشاعر و عبد الملك بن حبيب إمام المالكية و عبد العزيز بن يحيى الغول أحد أصحاب الشافعي و عبيد الله بن عمر القواريري و علي بن المديني و محمد بن عبد الله بن نمير و يحيى بن معين و يحيى بن بكير و يحيى بن يحيى و يوسف الأزرق المقرىء و بشر بن الوليد الكندي المالكي و ابن أبي دؤاد ذاك الكلب لا رحمه الله و أبو بكر الهذلي العلاف شيخ الاعتزال و رأس أهل الضلال و جعفر بن حرب من كبار المعتزلة و ابن كلاب المتكلم و القاضي يحيى بن أكثم و الحارث المحاسبي و حرملة صاحب الشافعي و ابن السكيت و أحمد بن منيع و ذم النون المصري الزاهد و أبو تراب النخشبي و أبو عمر الدوري المقرىء و دعبل الشاعر و أبو عثمان المازني النحوي و خلائق آخرون

    خلفاء الدولة العباسية [ 4 ] Fasel10

    كتاب : تاريخ الخلفاء
    المؤلف : عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيي
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    خلفاء الدولة العباسية [ 4 ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 28 مارس 2024, 9:05 pm